Sunday, January 10, 2016

المُختَل



صوت الأمطار الاستوائية
مصحوباً بعزف رقيق على الناي
و صوت رعد يخترق هذه الأصوات المداعبة لكل طبقات الأذن البشرية حتى تصل لمراكز الاحساس و تحيط بشغاف القلب
و لكن ليس هذا هو الحال مع الرائد أحمد سالم .. لأن هذه الأصوات هي صوت المنبه الذي يوقظه يومياً في تمام الخامسة صباحاً .. صيفاً و شتاءً .. تكاد هذه الأصوات لا تليق به وهو الانسان الفوضوي الذي يحدث الجلبة حيثما برز ظله .. إن الرجل لا يهتم بقيافته ولا هندامه .. يتلقى التنويه تلو الملاحظة مرفقة بالتحذير ازاء هذا الأمر و لكنه لا يكترث .. لأنه المفضل و المحبوب عند قيادات الأمن في البلد.
فعلى الرغم من هيئته المهملة و لحيته التي لا يحلقها الا مرة واحدة كل 10 أيام، و بالرغم من أنه يعاني من مشاكل أسرية أدت لطلاقه مؤخراً و حصول طليقته على حضانة طفليه، و بالاضافة لكونه لا يلتزم بساعات العمل المحددة له و لا يعرف متى و كيف يتوقف عن بذاءاته .. لكنه أبرز المحققين في جهاز الأمن السياسي .. عرفته القيادات السياسية و الأمنية عندما تمكن من تفكيك شبكات لجماعات متطرفة كانت تقوم بتجنيد الشباب و الشابات للانضمام لجماعات تحمل أفكاراً متطرفة تحارب في شتى أنحاء الأرض، من أرخبيل الملايو شرقاً إلى مصاب نهر الأمازون شرقاً حتى أصبح مطلوباً لتلك الجماعات. لَقَبه المدير العام لجهاز الأمن السياسي اللواء محمد رافع بـ "مُوَحِد الفرقاء" لإجماع كافة الجماعات المتفرقة على وضع اسمه على قائمة المطلوبين.
استيقظ في ذلك الصباح البارد من شهر ديسمبر وهو ينظر للتاريخ على هاتفه حين قام بإغلاق صوت المنبه
-         آه .. آخر أيام هذا العام؛ بالنسبة لي على الأقل، و من ثم .. إلى إسطنبول
عشق أحمد إسطنبول مذ زارها في أول مرة قبل 15 عاماً، أحب فيها رائحة البحر و القهوة و السميت الساخن، العرق التركي المميز، اللحم التركي بكافة أصنافه، و على الأخص اللحم التركي الأشقر.
بعد أن قام من فراشه توجه صوب جهاز التسجيل الضخم الذي يضعه في منتصف شقته و ضغط زراً أطلق معه العنان للجهاز كي يصدح برائعة الفرنسي فيفالدي التي تحمل اسم فصل الشتاء، الذي ينظر له لأول مرة لا يكاد يصدق حجم الثقافة و الحس الفني العالي لديه، و لكن لم يكن ليعير رأي الناس أدنى اهتمام.
بعد انتهائه من الحمام الساخن الذي اعتاد عليه في كل صباح ارتدى ملابس العمل التي هي عبارة عن سروال جينز و قميص و معطف على طراز معاطف البيسبول الأميركية، نعم إن أحمد من أشد المعجبين بأبطال Dukes of Hazard.

حين وصل لمديرية الأمن السياسي في تمام ال6:47 صباحاً أثار انتباهه أنه لم يكن متسللاً للمبنى بصحبة أشعة الشمس التي تتسلل بنعومة لأرجاء المبنى المستطيل الشكل، إنما كان هناك من تسلل قبله و كانوا من أبرز قيادات الأمن العام .. العميد صالح مختار، العميد أحمد فتح الدين، العقيد سمير شماس و عدد من الأفراد و الضباط التابعين لقطاعات مختلفة من الجهاز الأمني. لمح وجه صديقه عادل مستنداً إلى الحائط في زاوية من زوايا الغرفة فتوجه له مبادراً بالسؤال قبل السلام
-         ما سر هذا التجمع؟ هل نقلوا نهائي كأس العالم لمبنى المديرية؟
-         كف عن مزاحك فهؤلاء لا يطيقون هذا النوع من المزح حذار أن يسمعك أحدهم
-         حسناً .. و لكن ما سر هذه الجلبة؟
-         جاء اتصال من الحرس الرئاسي قرابة الرابعة فجراً عن شخص يقف قبالة القصر الرئاسي حاملاً لوحة كتب عليها "فليسقط الإمبراطور"
-         بربك؟ كل هؤلاء من أجل رجل يحمل لافتة؟ رجل واحد؟
-         لقد دفع الأمن الرئاسي لحد الجنون حتى الرئيس بنفسه طلب تقريراً عنه بمجرد انتهاء التحقيق، لقد أوسعوه ضرباً و لم يفتح شفته بحرف واحد، الجمهرة التي تراها الآن هي متابعة للكلب الوفي لمدير الأمن الرئاسي .. نعم .. العقيد غانم الحسن بنفسه
-         ماذا! غانم! غانم كلب مسعور في جلسات التحقيق .. هذا جنون .. ولكن الأفظع من ذلك هو جمهور الساديين المراقب لجلسة التحقيق بشغف بالغ
-         هاهو يخرج .. فلنتقرب لنرَ نتيجة الحفلة التي أقامها.
يقتربان بحذر كما لو كانا يحاولون الدخول لحفلة بدون بطاقة دعوة و كلما اقتربا اكثر أحسا بأن غانم ليس الوحش الذي عرفاه، و كأنما هناك ما كسر كبرياءه .. حينها سمعا العقيد سمير شماس يقول:
-         غانم، ماذا تعني بقولك أنك قطعت وجنتيه بصفعاتك و شتمته بكل شتيمة تعرفها ولم يرف له جفن؟
-         أقسم لك يا سيدي إن هذا ما حصل! لقد .. لقد ضربته كما لو أنه هددني أنا شخصياً يا سيدي و لكن عبثاَ! ظل ثابتاً يحدق بي كما لو أنه أعمى لا يرى شيئاً أمامه و متجرد من الأعصاب فلا يحس بوقع ضرباتي عليه!
-         هل هددته بقلع اظافره؟ حرق اطرافه؟ كسر أصابعه؟
-         بل و هددته بحرقه كلياً يا سيدي، و لكن عبثاً! لم يخبرني حتى بإسمه!
-         إما أنك تضرب صنماً يا غانم أو أننا يجب أن نحيلك لجهاز آخر يناسب قدراتك الحالية، كجهاز المرور ربما
تلقى غانم هذا الرد الهازء كصفعة تزن 5 أطنان هوت على غروره و نظر للعقيد شماس نظرة مليئة بالحقد نظراً لأن شماس الذي له نفس رتبة الحسن لكنه يشغل منصب مدير في الأمن العام أما الحسن فهو مجرد موظف مرموق أعطي الرتبة لقاء خدماته، و فيما هو ينظر لشماس أحس العميد مختار أن الأمور قد تتطور بين الديكين فقطع لحظة الصمت بصوته الأجش:
-         أنتما! كفا عن الذي تفعلناه أياً كان ما تفعلانه، غانم .. اذهب و انهِ تقريرك .. شماس .. تعال معي .. اللواء رافع اتصل بي و أخبرني أن الوزير طلب أن يتولى هو الإهتمام بهذا الموضوع شخصياً .. آه .. يبدو بأن الأمن السياسي كان معنا طوال المدة .. عادل و أحمد .. الـ .. حسناً أنا لا أجد له صفة معينة و لكن .. هو لكما.
و خرج العميد مختار برفقة جوقة الضباط المصاحبة له و معه العميد فتح الدين ذاهبين لمديرياتهم و نظر أحمد إلى الشخص الجالس عبر النافذة العاكسة بهدوء و سكينة لا تجدها إلا عند العرفانيين و كهنة التيبت. بادر أحمد لكسر الصمت الذي أطبق عليه و عادل وهما ينظران لهذا الشخص
-         أنت أم ... ها؟
تظاهر عادل بأنه تلقى مكالمة مستعجلة أجبرته على الذهاب، كعادته في هذه المواقف.
-         كعادتك أيها المخنث .. حسناً .. لنرَ ماذا يوجد خلف هذا الباب.
يشير للمسؤول عن الأقفال لكي يفتح الباب، أخذ نفساً عميقاً المرة تلو المرة وهو ينتظر سماع أزيز الكهرباء وهي تسري في الباب كي تفتح أقفاله، و حين سمع صوت الأزيز دخل الغرفة الخالية من كل شيء الا طاولة حديدية عليها أصفاد مثبتة بالطاولة و في ساقيها سلاسل تنتهي لكاحلي الشخص الجالس إلى الطاولة المثبتة أساساً في الأرض، إن هذه الطاولة أسوأ من زنزانة السجن.
تجول عينا أحمد حول الشخص الجالس أمامه، تدور عيناه في جميع الزوايا متفحصاً، باحثاً عن شيء ما يثير اهتمامه في هذا الشخص، و لكن عبثاً، بائت كل محاولاته بالفشل. لا يوجد هناك بتاتاً ما يثير في هذا الشخص.
شعر ناعم خفيف، بشرة شاحبة, عينان لا تنمان عن أي شيء، عظام الخدين بارزة من وجهه النحيل، أنف طويل ذو أرنبة مدببة، فم عريض ذو شفاه رقيقة جداً و بالطبع كدمة على الوجنة اليسرى و قطع تحت الجفن الأيمن، هدايا تذكارية من غانم.
يقوم ببعض الايماءات بأصابعه أمام وجهه .. يغمز له باحدى عينيه .. و لكن لا يبدو أنه يعيره أي اهتمام
-         حسناً .. لقد قمت بالتعامل مع ارهابيين من قبل و بالتعامل مع متشددين بل و حتى مع بعض المعاتيه الذين يؤمنون بأن هناك صوتاً من الفضاء يخبرهم بما عليهم فعله و لكن .. أنت لست منهم .. خصائصهم كانت مختلفة جداً .. حركاتهم .. حتى نظراتهم كانت مختلفة .. أنت .. هل تسمعني؟
تحركت عيناه باتجاه أحمد، أمضى بضع لحظات يتفحص وجه أحمد و من ثم انفرجت شفتاه قائلاً:
-         قهوة
-         ماذا؟ ماذا قلت؟
-         قهوة .. فنجان قهوة .. و ماء
أثار الطلب استغراب أحمد و لكن فضوله دفعه لطلب فنجان قهوة أمريكية ساخنة مع كوب ماء و جلس يراقبه وهو يشرب القهوة من يد العسكري بهدوء و صمت مريبين دون أن ينطق ببنت شفة. ما إن أنهى كوب قهوته حتى حرك لسانه داخل فمه و كأنه يحاول تحريك شيء ما .. و بعدها بصق على الطاولة مخرجاً ضرساً
-         ربما كان هذا الضرس هو ما يبحث عنه زميلك، أرجو أن ينال اعجابه
-         دعك منه .. من أنت؟ ان تصرفاتك الغريبة لا تدفعني لأي شيء تجاهك، فلا أريد ضربك .. أو شتمك .. أو حتى تعذيبك .. أنت غريب جداً .. أريد أن أتعرف عليك .. من أنت؟ اسمك؟ ما اسمك؟
-         هشام
-         هشام؟ هشام فقط؟ هيا .. أخبرني ما اسمك يا .. هشام
-         هشام .. محمد
-         و؟ رقمك القومي؟
-         هشام محمد .. الرقم القومي 19400-87456
يقوم أحمد بتدوين الرقم و من ثم الضغط على زر النداء و يسلم العسكري ورقة بها الاسم و الرقم القومي كي يقوم بالبحث عن أي ملفات متعلقة بالمدعو هشام محمد
-         حسناً يا هشام .. ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أخبرني؟
بصوت هادئ يقوم بتحريك لسانه حول فمه من الداخل و من ثم يقوم بلعق لثته
-         ما الذي تفعله أنت هنا؟
-         لست بمحل لتوجيه الأسئلة، ما الذي جاء بك الى هنا؟
-         الأمن .. بضعة رجال ذوي قسمات قاسية و أسلحة كبيرة وضعت بين عيني و من ثم تم بطحي على الأرض و ربط يدي خلف ظهري و رمي بي في مؤخرة سيارة معتمة و .. رأيت الباقي عندما كنت تحت رحمة زميلك
-         أقصد .. ما الذي دفعهم لبطحك أرضاً و رميك في مؤخرة السيارة و الاتيان بك إلى هذا المكان؟ على ما يبدو أنت لا تعرف ماهو هذا المكان؟
-         لا .. ماهو؟
-         مديرية الأمن السياسي
-         حسناً .. على الأقل هي أفضل مما تخيلته
-         و كيف تخيلتها؟
-         مبنى قديم .. مهجور .. مثل مخزن .. أو مصنع مهجور .. و لكن .. نعم هذا أفضل كثيراً مما تخيلت
في هذه الأثناء يدخل عسكري ليناول الرائد أحمد ورقة تعلوها بعض الأسطر فقط من دون أي تفاصيل.
يطالع أحمد الورقة، خالية، فقط اسمه و رقمه القومي و عنوان سكنه، لا يوجد أي سجل له، لا شيء تماماً، حتى لا يوجد أي مخالفة مرور أو تعثر لقسط أو أي شيء.
-         غريب جداً، أنت مثال للمواطن الهادئ، أنت تكاد لا تذكر في سجلات الدولة، و فجأةً، تقف أمام القصر الرئاسي حاملاً؛ لوحدك منفرداً، لافتة تهاجم فيها الرئيس
-         لم أهاجم الرئيس.
-         اذاً هاجمت من؟
-         هاجمت الإمبراطور
-         ولكننا لا نعيش في إمبراطورية
-         إذاً لمَ أنا هنا؟
-         لأنكَ (يشعر أحمد بأن ما يقوله غير منطقي) هددت أمن الرئيس
-         أنا لم أتكلم عن الرئيس
-         إذاً لم حملت اللافتة؟
-         أعترض على الإمبراطور، هل هذا شيء يجرمه القانون؟
-         حسناً .. حسناً .. قبل أن تصيبني بالجنون .. هلا تركنا موضوع الأمن و الذي جاء بك لهذا المكان جانباً .. ما الذي يحملك على الدعوة لعزل، أو تنحية، أو الانقلاب على من تسميه الإمبراطور؟
-         الإمبراطور لا يؤمن بشعبه كبشر
-         و كيف يراهم؟
-         كأشياء .. ممتلكات .. وسائل ترفيه .. أتعرف الشخصيات التي يضعها الأطفال في بيوت الدمى و يقومون بتحريكها كيفما أرادوا؟ هكذا يرانا الإمبراطور
-         حديثك يبدو مثيراً يا هشام، هل درست في الجامعة؟
-         لدي درجة الماجستير في التاريخ العصور الوسطى و أقوم بتحضير الدكتوراه في أسباب سقوط الدولة العثمانية
-         و ماهي طبيعة عملك؟
-         كنت أعمل في التدريس بالجامعة و لكنني متفرغ حالياً للتحضير لرسالتي
-         كان بانتظارك مستقبل لامع في التدريس الجامعي
-         كنت سأكون مزوراً آخر لا أكثر
-         مزوراً لماذا؟
-         للتاريخ
-         كيف؟
-         كنت لأصف الامبراطور بما ليس فيه، و أسبغ عليه صفات الآلهة و أنزع عنه كل صفة شريرة ليغدو ملاكاً بين الشياطين، مُخَلِصاُ للآثمين
-         و هل فعل هذا أحد من قبلك؟
-         نعم .. الآباء المؤسسين لهذا الصرح التعليمي العظيم و واضعي لبنات هذا القسم
-         و لكن التاريخ الحديث، تاريخ نهضتنا أقصد، هو جزء من التاريخ المصور و ليس المنقول، فكيف لهم تزويره؟
-         بأن تصور ما تريد، و تنشر الصور التي تريد، واضعاً التعليق الذي تريد، لتعيد تكريره و نشره و توثيقه كما تريد، إنك بذلك تقصقص عقل البشر كما تريد أنت بالشكل الذي تريد و ترسم داخله و تكتب و تفعل ما يحلو لك
-         و لكننا نعيش في بلد حديث فيه دستور و قوانين مبنية على أسس توافق هذا الدستور الذي يكفل للجميع حرية الرأي، و حرية الرأي يا هشام تعني الاختلاف .. أليس كذلك؟
-         إن هذا لا يعدو كونه ضحكاً على الذقون، فالقانون و الدستور يكفلان حقي بالتعبير عن رأيي ضد من أريد و مع من أريد، و لكن في الحقيقة فإن الحكومة تكفل حقي بالتعبير حين يوافق حقي حقها و تقبل بمعارضتي لها فقط في حال كان صوتي ضعيفاً جداً ولا أستطيع سماع صداه في كهف فارغ
-         ولكن نحن لدينا حكومة منتخبة و مجلس تشريعي يحاسب و يراقب و يشرع و في داخل هذا المجلس توجد معارضة للحكومة
-         عفواً .. معارضة صنعتها الحكومة
-         كيف؟
-         أنظر للمعارضين الحاليين، كلهم كانوا في يوم ما في الفريق الآخر و انقلب الحال بهم، أو فلنكن أكثر صراحةً، انتهى دورهم في اللعبة و لم تعجبهم نهاية خدمتهم فظنوا أنهم يستطيعون العودة لأحضان المسحوقين، و وحده ربي يعلم بوجود مسحوق يرتدي ساعة قيمتها تقارب ال25,000 دولار و سيارة تفوق قيمتها ال 120,000 دولار .. لا أعلم أي مسحوق لديه كل هذه الامكانيات .. و فضلاً عن هذه الامكانيات فإن لديه القدرة على الإحساس .. تخيل .. الإحساس .. كالآخرين
-         هل أنت من مناصري الفوضويين إذاً؟ المخربين؟ هل كنتَ من المشاركين في مظاهرات "السنوات العصيبة"؟
-         لا، بربك، كنت أحارب على الشبكات الالكترونية كدون كيخوتيه، أحارب الجميع، أخوض حروب الحكومة و الرئيس، أطعن ذاك و أصد سهم ذاك و أرمي ذاك بكرات النار، ربما لو أنني أسرفت أكثر بقليل في كراهيتي للمخربين لربما أصبحت مسؤولاً الآن
-         حديثك شيق، رغم أني لا أستطيع أن أتوصل لأي شيء من خلاله و لكن أخبرني، ما الذي دفعك للتخلي عن ذلك المعسكر و الدعوة إلى ... إسقاط الإمبراطور؟
-         لأنه تم خداعنا، بكل بساطة، تم استخدامنا و عصرنا كبرتقال ناضج يستجديك كي تضعه في المعصرة ثم ترمي بقشره في القمامة
-         و كيف ذلك؟
-         أتذكر عندما تركت الحكومة المخربين يعيثون فساداً في البلد .. في كل مكان .. في المناطق التجارية .. في العاصمة .. في أروقة البرلمان .. في الأحياء السكنية .. في كل مكان .. سواء بالصراخ أو بالكلام البذيء أو بالاعتداء على المباني و البشر على حد سواء دونما أي تدخل من القوات الأمنية .. تذكر ذلك بالطبع؟
-         أتذكر ذلك جيداً، كنت ملازماً و أقضي فترة تدريبية في جهاز الحماية الشخصية، و بالفعل كان صمتاً مريباً و لكن فيما بعد قامت القوات الحكومية بالرد على كل من تسبب في قلقلة الأمن
-         نعم، هذه الأجهزة .. أو القوات كما أسميتها .. بسكوتها .. خلقت وحشاً تهابه الناس .. يبحثون عن أي ملجاً منه، و بالطبع لا يوجد ملجأ آمن لهم من أحضان الحكومة .. فأتى الناس ملهوفين يتعلقون بطوق النجاة الذي رميتموه لهم
-         إذاً فأنت تتهمنا بأننا خلقنا هذا الرعب؟
-         ليس بالضرورة خلقه و لكن، فلنقل، استفدتم منه و لم تعالجوه تماماً و وضعتموه تحت السيطرة .. أكاد أشبه الأمر بـ .. بـ .. بالقدرة على السيطرة على ورم السرطان لجعله يصغر و يكبر و يضمحل و ينتشر متى ما أردت
-         ولم نفعل ذلك؟ فما دامت لدينا القدرة على السيطرة عليه فإننا نستطيع القضاء عليه؟ ألا تشعر بأنك .. لا نقل خَرِف .. فلنقل يجانبك الصواب و تجنح لنظرية المؤامرة قليلاً في هذا الجانب؟
-         لو كان الخوف من المجهول هو دافع الناس الوحيد للتمسك بك كطوق نجاة فهل كنت لتقتل الخوف في قلوبهم؟ سأوفر عليك المشقة .. لا
-         حسناً .. حسناً .. أنت لا تستطيع أن تثبت ذلك و .. لن .. أقوم بذكر ما قلته قبل قليل في محضر التحقيق لأنه .. حقيقة .. أنا في حيرة من أمري، إنني حتى لا أعلم إن كان هذا الأمر اتهاماً للحكومة أم للرئيس أم انك تهذي أم .. هل لديك ارتباط بمنظمات خارجية؟
-         نعم .. الأجسام الطائرة التي تحط في حقول وايومينغ
يهوي أحمد على وجهه بيمناه على وجه هشام
-         يبدو أنك تحب العنف و تستجديه، سأكتب في التقرير إن لديك ميولاً ماسوخية تضعف قدرتك على اتخاذ القرارات الصائبة
-         لا حاجة لكل هذا، لا يوجد لدي ارتباط بأي منظمة خارجية أو أي دولة و أنا لا ألتقي بأحد أصلاً عدا المسؤول عن رسالتي في الجامعة و أمي و قد توفيت أمي قبل أكثر من عام
-         بالطبع .. لا يوجد منظمة تفكر بتجنيد شخص سخيف مثلك و رحمها الله قد استراحت منك .. أخبرني الآن .. لم كنتَ واقفاً أمام القصر الرئاسي لأن صبري بدأ ينفذ
-         ولم عساه ينفذ؟
-         أنت لست بمحل توجيه الأسئلة ثم إنك سخيف جداً و قضيتك أسخف منك و من الحرس الرئاسي و من إمبراطورك الذي تهذي به .. قل لي هيا .. ما الذي دفعك لتهديد الرئيس .. بسرعة
-         هذا أصل المشكلة .. هذه هي المشكلة .. هذه هي القضية
-         ماذا تقصد؟
تتغير ملامح هشام فجأة لتغدو حادة جداً و عيناه أصبح بهما بريق غريب و أصابهما الجحوظ و اشتدت أوتار رقبته ناظراً لأحمد ..
-         أقصد بأن هذا لب المشكلة، السخافة، في كل شيء، سخافة سياستنا، و سخافة طبعنا، و سخافة كل ما حولنا، و تعظيمنا لهذه السخافة، بل و عيشنا حول هذه السخافة، بل إن السخافة غدت حياتنا، تشاركنا الماء و الهواء و الطعام، نلهث خلف القشور التي تعظمونها أنتم بسياساتكم و بسخافاتكم التي تغذون بها عقول البشر حتى غدو لا يعرفون الفرق بين المهم و السخيف، جعلتم الناس يلهون بالبحث عن رزقهم و تأمين لقمتهم و تخيفونهم تارة بدمى معارضيكم و تارة بالخوف من فقدان كسرة الخبز التي يضعونها في أفواه أطفالهم متناسين عمداً أنكم كنتم دائماً اللاعب الرئيسي في كل شيء من تعظيم معارضة كانت بحجم البكتيريا حتى غدت في أعين الناس غولاً و تضييع أموال الناس و أقواتهم بالمقامرة بها في حروب و سياسات خاسرة لا أنتم استفدتم منها ولا أنتم الذين حافظتم على أموال الناس بها، و لكن يا سيدي العزيز يخرج مسؤولي بلدك العزيز بين الفينة و الأخرى لتكريم حفنة من الرخيصين الذين يسهمون بتخدير هذا الشعب على دورهم الممتاز في اتمام هذه العملية و تطالعنا صحفكم بالتقارير التي تصيب الانسان بالعجز الجنسي لمجرد قراءة كمية العرب التي تحملها و تجد في الصفحة المقابلة أخباراً تحمل صفقات بأرقام ما وردت حتى في المناهج الدراسية، نعم يا سيدي .. هذه هي المشكلة .. أنكم لا تجدون في كل ذلك مشكلة .. بل و لا تجدون حرجاً في مد يدكم الطويلة جداً على جيوب البشر .. بل و تفعلون ذلك بضمير مرتاح و نفس مطمئنة .. و من ثم حين يقف شخص لا يعرفه أحد ولا يمت بصلة لأي تيار ولا شيء و يحمل لافتة تحمل كلمات بسيطة لا تعني شيئاً و متحصناً بذلك بحقه الدستوري في المطالبة و الاعتراض و رفع عقيرته، علماً بأنه لم يرفعها، تقومون بإيداع هذا الشخص في مبنى الأمن السياسي و يقوم المختصون بالتعذيب في جهازكم الموقر بالتحقيق معه لساعات طوال مستخدمين كل ما يحلو لهم من وسائل سحب الاعتراف ... نعم يا سيدي .. هذه هي التهمة و القضية .. أنكم سخفاء.
ما إن نطق بكلمته الأخيرة حتى خر رأسه على الطاولة التي أمامه .. لم يتحرك .. من دون أن يطلق شهقة أو أي شيء .. فقط .. هوى رأسه على الطاولة بكل بساطة
تقدم منه أحمد .. هز كتفه فلم يلحظ أي استجابة .. وضع يده على رقبته متحسساً وجود أي نبض فيها .. أدنى رأسه من رأس هشام .. أحس بصوت تنفس ثقيل مكتوم .. سارع بطلب الاسعاف له كي ينقلوه للعيادة بأسرع وقت كي ينقذوا حياته
جرى كل شيء بسرعة .. لم يتخيلها أحمد .. ظل فاغراً فاه .. لا يدري هل الذي حدث كان حقيقة أم ضرباً من الخيال .. هل يا ترى كان فعلاً يحقق مع شخص ما؟ أم أنه متوهم و ما زال يعيش أحداث حلم بغيض لن يلبث أن يفيق منه؟
قطع هذه الأحداث ضربة عادل له على كتفه
-         أحمد .. هل ما زلت هنا؟
-         آه .. حسناً .. إنه ليس حلماً كما تخيلت .. ماذا تريد
-         اتصل المدير، إنه يطلب التقرير على مكتبه بعد ساعة، يريد نتيجة التحقيق مع المجرم
-         أي مجرم؟
-         هشام؟ القصر الرئاسي؟ الذي حققت معه اليوم؟
-         نعم نعم تذكرته، سأقوم بالانتهاء من تقريره بعد قليل، هلا طلبت لي كوباً من القهوة و بعض الفطائر، أشعر بالجوع يا عادل
-         لا عليك .. كانت جلسة تحقيق طويلة .. سأذهب بنفسي لطلب الفطائر لكلينا و لكن عدني بأن ينتهي التقرير اليوم فهذا العجوز النزق لا يكف عن ازعاجنا باتصالاته
-         بضع دقائق و سيكون جاهزاً للتسليم
-         جيد، سأذهب الآن
يغادر عادل الغرفة و يغادر أحمد بعده لغرفته ليكمل التقرير .. و لم يأخذ الأمر معه أكثر من دقائق معدودة كتب فيها
"المتهم يتفوه بجمل غير مترابطة و لا يمكن الجزم بدوافع قيامه بذلك العمل، برجاء تحويله لمستشفى الأمراض العقلية ليخضع لفحص مكثف.




                                                                                      الرائد/ أحمد سالم"

Monday, February 9, 2015

بأي ذنب؟!


في ظهيرة أحد أيام فبراير و فيما كان محمد يجلس على أحد مقاعد حديقة الكلية يطالع آخر الأخبار و التحليلات المتعلقة بالمباراة المرتقبة بين العربي و النصر و التي ستقام على استاد نادي النصر؛ البعيد جداً عن قواعد و جماهير النادي العربي مسافة، لكنه ليس بذلك الأمر الذي يجعله يتوانى عن اللحاق بحافلة الفريق حيثما ارتحلت. كل الأخبار و التقارير تشير لفوز سهل و مرتقب للعربي الذي يقوم بتقديم أفضل مواسمه و يعيش أفضل أيامه منذ ١٣ موسماً حين حسم تشارلز داغو مباراة الدوري أمام كاظمة. 

يقترب منه أصدقاء الطفولة حسين و عبدالله الذان يشاطرانه طفولته و ذكرياتها و جنون اللون الأخضر الذي يعمي العيون و القلوب و العقول .. لا يعلمون سر تعلقهم بهذا النادي .. عشق صرف لا مبرر له ولا تفسير!

حسين: متى ستذهب للمباراة؟
محمد: بعد قليل سأذهب لطباعة التذاكر .. احتفظ بنسخة منها في بريدي الالكتروني .. لا تقلقا هذه المرة حجزت التذاكر في مقصورة .. حسناً هي ليست مقصورة كبار الضيوف و لكنها قريبة منها 
عبدالله: نعم .. لا نريد أن نصرف ما تبقى من اعانة هذا الشهر على نادي النصر .. افضل ما في هذا النادي هو رخص تذاكره عدا ذلك فهو كالسم لا تقوى على تحمله .. يخسر من الجميع و حين يواجه العربي يغدو لاعبوه بقدرة قادر كمنتخب البرازيل سنة ٨٢
محمد: تتكلم و كأنك رأيت منتخب البرازيل .. هل لك أن تذكرني في أي عام ولدت؟
يضحك حسين و محمد على فلسفة عبدالله فهو كثيراً ما يتباهى أمامهم بمعلوماته الرياضية الغزيرة .. فعبدالله عبارة عن كتلة معلومات بذاكرة تزن ٥٠ طناً من المعلومات و الشحوم و لكنه يحمل حباً مجنوناً للنادي العربي قل نظيره
عبدالله "غاضباً" : أنتما الاثنان جهلة تكتفيان بالركض خلف الكرة أما أنا فإن الكرة بالنسبة لي عشق و فلسفة .. ما يدري أحمقان مثلكما بماهية و فلسفة المستديرة .. دعكما من هذا الحديث .. هيا نذهب لتناول الغداء فإنني أكاد أموت من الجوع و لا أستطيع أن أصبر حتى وقت المباراة و المأكولات في استاد النصر تصيبني بالتسمم

يقوم محمد و حسين بمداعبة كرشه الضخم و هم يضحكان معه متوجهين الى سيارة عبدالله

-------------
*مواقف استاد النصر*
عبدالله يلوح بعلم العربي الذي يحمله معه في كل المباريات بينما يمشي حسين و محمد خلفه يضحكان عليه
محمد: ياااه .. ما هذا الازدحام .. هل أنتما متأكدان أننا سنواجه النصر أم القادسية؟! بهذا الجمهور يبدو لي أننا سنواجه فريقاً عالمياً وليس النصر!
حسين: الجمهور لن يترك الفريق طوال الموسم حتى يعودوا بدرع الدوري للمنصورية .. الكل سيتبع الحافلة أينما ذهبت .. لا نريد أن تبرد همتهم
عبدالله: و لكن هذا عدد كبير من القوات الخاصة .. لم أرهم من قبل بهذه الكثافة !

يقترب الثلاثة من الملعب و كلما اقتربوا يسمعون صراخ الجماهير الغاضبة وهي تشتم القوات الخاصة و منظمي المباراة .. الشتم من سمات جماهير العربي المعروفة و لكن هذه المرة الأولى التي يقومون فيها بشتم .. القوات الخاصة! هناك أمر غير طبيعي يحدث

يلاحظ حسين وجود قفص حديدي يمر يتجمع بداخله الاشخاص قبل دخولهم الملعب .. أمر غريب .. لم يسبق له أن مر بأي قفص من قبل 

حسين: ما بال الجميع يحملون تذاكرهم! و لم تمنعهم الشرطة من الدخول! 
عبدالله: لا اعلم و لكنني لن ادخل في هذا الازدحام فأنا أخاف الاختناق .. محمد .. هل هناك بوابة خاصة لنا؟
*يطالع محمد التذاكر*
محمد: لا يوجد أي شيء يشير لمدخل خاص .. تحمل يا صديقي علينا أن ندخل بين الجماهير .. لا تقلق لن يستمر الوضع طويلاً سيفتحون البوابات كلها أنا متأكد
*يعلو صوت ضابط مقنع من فوق مصفحة القوات الخاصة*

• على كل المتواجدين حالياً العودة و الا سنستخدم القوة •
تضج الجماهير بالصراخ

"القوة .. لماذا .. دعونا ندخل .. لدينا التذاكر .. نريد أن ندخل .. سندخل الملعب"

ترتفع صيحات الجماهير
يقوم المتجمهرون بقرع الطبول و الصراخ مرددين الهتافات التشجيعية 
و في نفس الوقت تقترب من القفص مجموعتان من القوات الخاصة مدججين بسلاحهم
القفص فيه مخرج و مدخل واحد يكفي لشخص واحد .. وهو قفص فعلاً .. كمصيدة الفئران
عبدالله: حسين .. محمد .. أخرجوني من هنا .. أنا اختنق .. انهم يقتربون .. ماذا يحدث!
حسين يقوم باحتضانه مستغلاً قامته المديدة 
حسين: عبدالله .. عبدالله .. لا تقلق .. لا تقلق .. ستكون بخير .. سأخرجك .. لا تخف 
محمد: لم يرتدون الأقنعة .. و لم أغلقوا الباب الأمامي؟ ما يحدث يقلقني .. الجماهير تقترب .. و الشرطة تقترب .. حسين .. عبدالله ! ماذا يحدث!

و بينما يتلفت الجميع حولهم لا يعلمون ما سيحدث .. يصرخ شخص من ناحية القوات " قــــنـــبـــلـــة " ! 

و يلتفت الجميع ناحية الجماهير يبحثون عن القنبلة .. أين القنبلة .. و فجأة .. لا يعود أمامك مجال للرؤية بعد أن قامت القوات باستغلال الربكة و قاموا باطلاق القنابل الغازية مصحوبة بسيل من الرصاص كالمطر 

تشابكت الارجل .. و تساقطت الاجساد فوق بعضها داخل قفص الموت .. لا يسمع الا الصراخ .. و صوت الرصاص .. و لا يُرى الا الغاز و نهر الدماء الذي يجري من تحته .. !
تنجلي الغمامة بعد ثلاث ساعات
تأتي فرق الدفاع المدني لانقاذ من يمكن انقاذه و نقل جثث المتوفين .. و يمتلئ المكان بالمصورين و الصحفيين و المراسلين 
يقوم المصور بالاقتراب من ثلاثة
أحدهما يحتضن علم العربي .. بينما من الواضح أن الآخران يحاولان احتضانه لحمايته .. يبدو عليه اثر الاختناق .. أحدهما ينزف جراء اصابته برصاصة في ظهره و الآخر لديه جرح في وجنته .. يبدو أن رصاصة طائشة قد أصابته .. يقوم المصور بالتقاط صورة وضعت في اليوم التالي على الصفحة الأولى لإحدى الصحف و يعتليها مانشيت عريض بعنوان "قتلى و جرحى جراء عملية ارهابية في مباراة العربي"

و حين أصدرت شهادات الوفاة كان سبب الوفاة: الإختناق نتيجة التدافع. 


- رحم الله شهداء الوايت نايتس -

ملاحظة: القصة تم اسقاطها على المجتمع الكويتي حتى يسهل عليك تصور الاحداث .. لا يوجد أقفاص في الكويت و لا استادات حديثة تحتوي على رده طعام ولا قوات خاصة خارج الملعب تقوم بضرب الجماهير أو تنظيمها .. كما أنه لا يوجد تذاكر الكترونية .. و لكن كما قلت .. كي يسهل عليك أيها القارئ أن تتخيل حجم مأساة أن تكون ذاهباً لحضور مباراة و ينتهي بك الأمر في ثلاجة أحد المستشفيات.

Hooligans belong to prisons, not to Graveyards. 





Wednesday, December 24, 2014

Skyrocket!


كلنا ندري ان الخمر ممنوع بالكويت من الستينات بعد سالفة شركة الحاج مكينزي و مطالبة اعضاء المجلس بالغاء الترخيص و منع التجارة و بل قانون بمعاقبة التاجر و المستهلك
كله حلو
لكن تدري شنو المشكلة؟ 
المنع خلى هالشي شحيح، و ندرة الشي تخليه غالي و لما تحطه ضمن دائرة الممنوع فانت تخليه بأعلى سلسلة المرغوب

أبسطها لك

تعرف فيلم The Godfather? 
ما تحبه؟ 
تعرف آل كاپوني؟ لا تقولي مو سامع فيه
يا محفوظ السلامة هذا آل كاپوني من الي استفادوا من استيراد الويسكي عن طريق التهريب من كندا خلال فترة المنع بأمريكا
تدري خلال فترة المنع الجرايم و العنف بل و استهلاك الكحوليات زاد رغم ارتفاع أسعارها؟
ما راح أقولك الخمر يحافظ على كيانك لأن الخمر مذهب للعقل وهو مفتاح كل الشرور على الانسان و غير هذا يخليك مصخرة .. شله كل هذا
لكن بالكويت .. تشوف بين فترة و فترة ضبطية .. حمولة مهربة من دولة خليجية .. ولا شاحنة بتهرب بطول ويسكي .. هذا كله .. ولا شي .. الخافي اعظم و الداش أكثر

تدري شنو الاستفادة من منع الخمور؟
علي المفيدي الله يرحمه يوم مثل دور السكران بحامي الديار قال سعر البطل ٣٠ و بالويك اند خمسين و ما تحصله
ركز هالحجي بالثمانينات
ظلت هالتسعيرة متعارف عليها لي التسعينات و بعدين صار تقريباً يبدى من ٥٠-٧٠ 
بالسنوات الأخيرة .. بطل الريد ليبل "ارخص أنواع الويسكي تقريباً" وصل سعره ببعض الايام ١٢٠ دينار
تدرون جم سعره الأصلي؟ 
٢٥-٣١ دولار
يعني دوبه يطق عشر دنانير 

من الواضح ان في ناس مستفيدة حيل من الموضوع ولا جان ما استمر المنع و الشعب نسبة كبيرة منه شريبة .. لكن الحجي .. منو المستفيد؟ 

فتكم بعافية




Thursday, December 11, 2014

الــســلــفــي .. !

تعود بي أحداث هذه التدوينة الى قرابة أحد عشر عاماً مضين حين كنت طالباً في المرحلة الثانوية. و كنت قد اخترت الدراسة في تلك الثانوية التي تحمل اسم ثانوية النصر لكونها ثانوية أخي الأكبر مني و لكوني أعرف بعض طلبتها رغم بعدها النسبي عن منزلنا و كونها في كذلك في منطقة تضاهي بسمعتها سمعة أحياء جنوب فيلاديلفيا لكثرة المشاكل و الإجرام و طبيعة أهلها القاسية. و لم تخل السنوات الأولى من الدراسة الثانوية من بعض المشاكل سواء المتعلقة بكوني أنتمي لعرق مختلف عن غالبية الطلبة أو لكوني أعتنق مذهباً مخالفاً .. و لكن في نهاية اليوم الكلمة الفصل لناظر المدرسة الذي يجب أن يكون على قدر من الحزم مثله مثل ناظر الحربية. حتى تصل الصورة بشكل أوضح فإن ثانوية النصر كانت مدرسة تقع في منطقة مقطوعة من السكان، تجاورها شركة نفطية و على بعد كيلومتر توجد مدرسة لتدريب القيادة و على بعد كيلومتر آخر توجد سينما مهجورة و على بعد كيلومتر آخر بعدهما توجد محكمة الأحمدي، هكذا كانت طبيعة المنطقة في ذلك الوقت، و لك أن تتصور أنها كانت ثانوية طالبات .. تصور أن ترسل ابنتك لتلك البقعة من الأرض، و لكن الحق يقال فإنها من المدارس الرائدة في الكويت في مجال الأمن، فهي أول مدرسة استخدمت كاميرات المراقبة و فرضت سوراً حديدياً يفصل الطلبة عن الإدارة و وضعوا بعض الأسلاك الشائكة على الأسوار.
كل هذا الحديث المسهب عن المدرسة لكي أعطيك المجال لتخيل نوعية الطلبة الدارسين فيها، فهي أقرب للاصلاحية منها للثانوية. 
كان لي في تلك المدرسة العديد من الصداقات و الزمالات و لا تخلوا السنون من الطرائف و الأحداث، و لكن أبرزها على الإطلاق هي حادثة حصلت لأحد زملائي في المدرسة و لنسمه اصطلاحاً بإسم صالح.
في السنتين الأوائل من المرحلة الثانوية كان صالح فتاً عادياً، لم يظهر نباغة شديدة ولا ذكاءً متقداً و كان مصنفاً ضمن الطلبة الهادئين الذين لا يثيرون المشاكل، أبرز ما كان يميزه مهاراته في كرة القدم و حبه للأندية الأوروبية، كان يمقت يوم الإثنين كونه اليوم الوحيد الذي لا يحتوي على مباريات كرة قدم في أوروبا. 
و كما أسلفت قبل قليل فهو لم يكن من الطلبة المثيرين للجدل أو الفاعلين في المدرسة، كان طالباً عادياً، و بالاضافة لمهاراته في كرة القدم فقد كان ذو صوت عذب جميل رقيق حين يجود القرآن، و أعتقد أن لهذه المزية علاقة بما حدث له بعد ذلك. 
في أول يوم من السنة الدراسية الثالثة و حين كنا نتبادل السلام و السؤال عما فعلنا في عطلة الصيف و أين سافر بعضنا و فيما قضى البعض الآخر وقته، و فيما نحن نتبادل الحديث حتى رأينا .. صالح الجديد! 
رأس حلق بالموس و ملابس رثة و نعال و لحية مشعثة غير مهذبة و بنطال قصير و يحمل بيده قرآناً! 
و لكوني محب للقراءة فقد تيقنت من اعتناقه للسلفية كمذهب في الحياة كونه تلبس بلباس السلفية و لكن لكوني مخالفاً في المذهب فعلي ألا أثير أي أمر يتعلق بأي شي مذهبي معه كون السلفي ذو رأس حمار لا يقبل النقاش في أي موضوع. 
وجدت الجميع يبارك له و كأنه اهتدى للإسلام تواً و يسألونه الدعاء لهم بالهداية و يدعون له بالثبات .. و حذوت حذوهم و أنا أخفي ضحكة ساخرة في داخلي.
هذا التغيير المفاجئ في حياة صالح صاحبته تغييرات أخرى، فصالح تحول الى داعية صغير؛ فكلنا جنود الدعوة و كلنا نهدي الجميع الى الله و ما أعرض عن دعوتنا إلا الغاوون. بل و أصبح صالح شخصاً مجادلاً حتى لأساتذته، فتارة يجادل الأستاذ السوري لكونه بعثياً و تارة يجادل معلم التربية الاسلامية "الجامي" كما أسماه، بل و أصبح حاد الطباع عصبي المزاج غالب الوقت.
الشيء الوحيد الذي احتفظ به صالح الجديد من صالح القديم هو حبه لكرة القدم و الأندية الأوروبية رغم انه أصبح يلعب كرة القدم وهو مرتد لفنيلة أحد الفرق التي لا تحمل شعار الصليب الذي يعبده الصليبيون! 
لم تكن هناك أحاديث مطولة تجمعني بصالح قبل ذلك و الآن مع هذا التغيير الطارئ لم أعتقد أنه سيجمعنا حديث أبداً، و لكن شاءت الأقدار أن تجمعني معه مقاعد الدراسة في أحد مواد التربية الاسلامية و قرابة نهاية الفصل شاءت الصدف أن نكون أنا و صالح منتظرين للأستاذ عند مكتبه لتسليم البحث فجرى بيننا حديث لا أنساه.
سألني عما يدور محور بحثي فقلت له إن محوره الزكاة لأني وجدته موضوعاً شيقاً .. و أنت يا صالح .. ماهو موضوع بحثك؟ 
النكاح! قالها بملئ فمه! و كأنما يمارسه فعلياً بين طيات بحثه لا كأنه كلام مرسل
فقلت له بخبث: وهل هناك أجمل من النكاح؟ خيراً فعلت 
فقال لي: نعم .. الجهاد هو الشيء الأجمل من النكاح! 
فرددت مستغرباً من أن شخصاً في مثل سني و حين يجب أن يعاني من مشاكل في اختلال الهرمونات و الانتصابات الجسدية الغير منتظمة يتكلم عن الجهاد و يفضله على .. أجساد النساء! 
فسألته: كيف يكون الجهاد أجمل من النكاح؟
فقال: النساء يشغلنك عن الله و هن من عمل الشيطان فحين يلهيك بهن تنسى الجهاد الأعظم و اخوانك في كوسوفو و افغانستان و باقي ثغور الجهاد! ثم انك حين تترك كل شيء في سبيل الله و تخرج مقاتلاً فإن لك عند الله الجزاء الأوفى .. سيكتب الله لك في الجنة ٧٠ حورية من حوريات الجنة .. القبيحة منهن أجمل من كل نساء الأرض بحيضهن و قذارتهن .. و سيعطيك قوة سبعين رجلاً حتى "تزني" بهن و حين تفرغ ستجد في نفسك قوة لنكاحهن مرة أخرى! 
عليك أن تجعل هدفك الأسمى هو الجنة وليس ملذات هذه الدنيا الفانية! 
قطع هذا الحديث وصول معلم التربية الإسلامية و ذهابنا معه لتسليم بحوثنا، و كانت هذه الحادثة قرابة نهاية السنة الدراسية و اقتراب العطلة الصيفية.
و بعد رجوعنا من العطلة الصيفية و في أول يوم من السنة الأخيرة في دراستنا الثانوية و حينما كنا نمثل نفس المشهد التمثيلي باشتياقنا لبعضنا البعض و سؤالنا عن الحال و فيما قضينا صيفنا رغم عدم اكتراثنا حقاً 
مر بجانبنا ذلك الفتى الذي يرتدي حذاءً لامعاً .. و قميصاً ضيقاً يبرز جسده الممشوق و حالقاً ذقنه مرتب الهندام و شعره كثيف سرحه على طريقة أحد اللاعبين الأوروبيين .. و لكن المفاجأة أن هذا الشخص هو .. صالح !! 
أثار هذا التغيير استغرابي أكثر من الأول .. لأنه لم يستمر الا لمدة عام واحد! 
فسألت أحد ابناء عمومته عن سر التغيير المفاجئ و الكبير .. فأجابني 
"في الاجازة الصيفية ذهب صالح الى لبنان .. و هناك وجد الجنة و الحور العين"


فشكراً لـ لبنان على اعادتها صالح سالماً غانماً معافى.