Thursday, December 11, 2014

الــســلــفــي .. !

تعود بي أحداث هذه التدوينة الى قرابة أحد عشر عاماً مضين حين كنت طالباً في المرحلة الثانوية. و كنت قد اخترت الدراسة في تلك الثانوية التي تحمل اسم ثانوية النصر لكونها ثانوية أخي الأكبر مني و لكوني أعرف بعض طلبتها رغم بعدها النسبي عن منزلنا و كونها في كذلك في منطقة تضاهي بسمعتها سمعة أحياء جنوب فيلاديلفيا لكثرة المشاكل و الإجرام و طبيعة أهلها القاسية. و لم تخل السنوات الأولى من الدراسة الثانوية من بعض المشاكل سواء المتعلقة بكوني أنتمي لعرق مختلف عن غالبية الطلبة أو لكوني أعتنق مذهباً مخالفاً .. و لكن في نهاية اليوم الكلمة الفصل لناظر المدرسة الذي يجب أن يكون على قدر من الحزم مثله مثل ناظر الحربية. حتى تصل الصورة بشكل أوضح فإن ثانوية النصر كانت مدرسة تقع في منطقة مقطوعة من السكان، تجاورها شركة نفطية و على بعد كيلومتر توجد مدرسة لتدريب القيادة و على بعد كيلومتر آخر توجد سينما مهجورة و على بعد كيلومتر آخر بعدهما توجد محكمة الأحمدي، هكذا كانت طبيعة المنطقة في ذلك الوقت، و لك أن تتصور أنها كانت ثانوية طالبات .. تصور أن ترسل ابنتك لتلك البقعة من الأرض، و لكن الحق يقال فإنها من المدارس الرائدة في الكويت في مجال الأمن، فهي أول مدرسة استخدمت كاميرات المراقبة و فرضت سوراً حديدياً يفصل الطلبة عن الإدارة و وضعوا بعض الأسلاك الشائكة على الأسوار.
كل هذا الحديث المسهب عن المدرسة لكي أعطيك المجال لتخيل نوعية الطلبة الدارسين فيها، فهي أقرب للاصلاحية منها للثانوية. 
كان لي في تلك المدرسة العديد من الصداقات و الزمالات و لا تخلوا السنون من الطرائف و الأحداث، و لكن أبرزها على الإطلاق هي حادثة حصلت لأحد زملائي في المدرسة و لنسمه اصطلاحاً بإسم صالح.
في السنتين الأوائل من المرحلة الثانوية كان صالح فتاً عادياً، لم يظهر نباغة شديدة ولا ذكاءً متقداً و كان مصنفاً ضمن الطلبة الهادئين الذين لا يثيرون المشاكل، أبرز ما كان يميزه مهاراته في كرة القدم و حبه للأندية الأوروبية، كان يمقت يوم الإثنين كونه اليوم الوحيد الذي لا يحتوي على مباريات كرة قدم في أوروبا. 
و كما أسلفت قبل قليل فهو لم يكن من الطلبة المثيرين للجدل أو الفاعلين في المدرسة، كان طالباً عادياً، و بالاضافة لمهاراته في كرة القدم فقد كان ذو صوت عذب جميل رقيق حين يجود القرآن، و أعتقد أن لهذه المزية علاقة بما حدث له بعد ذلك. 
في أول يوم من السنة الدراسية الثالثة و حين كنا نتبادل السلام و السؤال عما فعلنا في عطلة الصيف و أين سافر بعضنا و فيما قضى البعض الآخر وقته، و فيما نحن نتبادل الحديث حتى رأينا .. صالح الجديد! 
رأس حلق بالموس و ملابس رثة و نعال و لحية مشعثة غير مهذبة و بنطال قصير و يحمل بيده قرآناً! 
و لكوني محب للقراءة فقد تيقنت من اعتناقه للسلفية كمذهب في الحياة كونه تلبس بلباس السلفية و لكن لكوني مخالفاً في المذهب فعلي ألا أثير أي أمر يتعلق بأي شي مذهبي معه كون السلفي ذو رأس حمار لا يقبل النقاش في أي موضوع. 
وجدت الجميع يبارك له و كأنه اهتدى للإسلام تواً و يسألونه الدعاء لهم بالهداية و يدعون له بالثبات .. و حذوت حذوهم و أنا أخفي ضحكة ساخرة في داخلي.
هذا التغيير المفاجئ في حياة صالح صاحبته تغييرات أخرى، فصالح تحول الى داعية صغير؛ فكلنا جنود الدعوة و كلنا نهدي الجميع الى الله و ما أعرض عن دعوتنا إلا الغاوون. بل و أصبح صالح شخصاً مجادلاً حتى لأساتذته، فتارة يجادل الأستاذ السوري لكونه بعثياً و تارة يجادل معلم التربية الاسلامية "الجامي" كما أسماه، بل و أصبح حاد الطباع عصبي المزاج غالب الوقت.
الشيء الوحيد الذي احتفظ به صالح الجديد من صالح القديم هو حبه لكرة القدم و الأندية الأوروبية رغم انه أصبح يلعب كرة القدم وهو مرتد لفنيلة أحد الفرق التي لا تحمل شعار الصليب الذي يعبده الصليبيون! 
لم تكن هناك أحاديث مطولة تجمعني بصالح قبل ذلك و الآن مع هذا التغيير الطارئ لم أعتقد أنه سيجمعنا حديث أبداً، و لكن شاءت الأقدار أن تجمعني معه مقاعد الدراسة في أحد مواد التربية الاسلامية و قرابة نهاية الفصل شاءت الصدف أن نكون أنا و صالح منتظرين للأستاذ عند مكتبه لتسليم البحث فجرى بيننا حديث لا أنساه.
سألني عما يدور محور بحثي فقلت له إن محوره الزكاة لأني وجدته موضوعاً شيقاً .. و أنت يا صالح .. ماهو موضوع بحثك؟ 
النكاح! قالها بملئ فمه! و كأنما يمارسه فعلياً بين طيات بحثه لا كأنه كلام مرسل
فقلت له بخبث: وهل هناك أجمل من النكاح؟ خيراً فعلت 
فقال لي: نعم .. الجهاد هو الشيء الأجمل من النكاح! 
فرددت مستغرباً من أن شخصاً في مثل سني و حين يجب أن يعاني من مشاكل في اختلال الهرمونات و الانتصابات الجسدية الغير منتظمة يتكلم عن الجهاد و يفضله على .. أجساد النساء! 
فسألته: كيف يكون الجهاد أجمل من النكاح؟
فقال: النساء يشغلنك عن الله و هن من عمل الشيطان فحين يلهيك بهن تنسى الجهاد الأعظم و اخوانك في كوسوفو و افغانستان و باقي ثغور الجهاد! ثم انك حين تترك كل شيء في سبيل الله و تخرج مقاتلاً فإن لك عند الله الجزاء الأوفى .. سيكتب الله لك في الجنة ٧٠ حورية من حوريات الجنة .. القبيحة منهن أجمل من كل نساء الأرض بحيضهن و قذارتهن .. و سيعطيك قوة سبعين رجلاً حتى "تزني" بهن و حين تفرغ ستجد في نفسك قوة لنكاحهن مرة أخرى! 
عليك أن تجعل هدفك الأسمى هو الجنة وليس ملذات هذه الدنيا الفانية! 
قطع هذا الحديث وصول معلم التربية الإسلامية و ذهابنا معه لتسليم بحوثنا، و كانت هذه الحادثة قرابة نهاية السنة الدراسية و اقتراب العطلة الصيفية.
و بعد رجوعنا من العطلة الصيفية و في أول يوم من السنة الأخيرة في دراستنا الثانوية و حينما كنا نمثل نفس المشهد التمثيلي باشتياقنا لبعضنا البعض و سؤالنا عن الحال و فيما قضينا صيفنا رغم عدم اكتراثنا حقاً 
مر بجانبنا ذلك الفتى الذي يرتدي حذاءً لامعاً .. و قميصاً ضيقاً يبرز جسده الممشوق و حالقاً ذقنه مرتب الهندام و شعره كثيف سرحه على طريقة أحد اللاعبين الأوروبيين .. و لكن المفاجأة أن هذا الشخص هو .. صالح !! 
أثار هذا التغيير استغرابي أكثر من الأول .. لأنه لم يستمر الا لمدة عام واحد! 
فسألت أحد ابناء عمومته عن سر التغيير المفاجئ و الكبير .. فأجابني 
"في الاجازة الصيفية ذهب صالح الى لبنان .. و هناك وجد الجنة و الحور العين"


فشكراً لـ لبنان على اعادتها صالح سالماً غانماً معافى. 





No comments: