Tuesday, November 15, 2011

سقوط من على جرف


بداية أقر و أعترف بأنني لست اقتصادياً لامعاً مثل جورج سوروس , و بلا شك ليس لي المقدرة على مجادلة بين بيرنانكي , بل إنني قد لا أستطيع مقارعة مصطفى الشمالي بالحجة و المنطق الاقتصادي لكوني لم أدرس هذه الأمور و هذا إقرار مني بأن القادم في هذه التدوينة لا يعدو كونه مخاوف من أن الوضع في الكويت ليس كما صنفته سابقا في التويتر بأنها مشابه لنهاية الدولة الأموية , بل إنه جمع بين نهاية الدولة الأموية و الإمبراطورية الرومانية في آن واحد!

فبداية قارنت بين الوضع الحالي في الكويت و بين نهاية الدولة الأموية من خلال فرقة أبناء العمومة و اختلافهم على الكرسي و طمع كل واحد فيهم للوصول له حتى بات كل واحد من أبناء العمومة المتصارعين يحاول جمع أكبر قدر من المؤيدين سواء عبر شراء الولاءات كما هو حاصل في حالة أحمد الفهد أو من خلال التسهيلات التي تقدم بين الفينة و الأخرى من الحكومة طمعاً في محافظة الرئيس على كرسيه , و هي تسهيلات غالية الثمن و على المدى الطويل لن تؤتي أكلها بعد حين لأن مجال التنازلات و التسهيلات سيكون قد بلغ سقفه و لن يكون هناك مجال لزيادة هذه التسهيلات.

علاوة على ذلك فإنه في الأيام الأخيرة للدولة الأموية ظهر خطر الدعوة العباسية في خراسان و التي قادها إبراهيم الإمام و الذي عهد بأمرها لداهية العجم أبي مسلم الخراساني الذي قاد الدولة في خطواتها الأولى و اقامها في خراسان حتى بلغ الأمر أشده و بلغ الأمر في الشام أشده من اقتتال أبناء العمومة , علاوة على ذلك فإن الوضع في الأندلس و بلاد البربر لم يكن تحت السيطرة. و حين طلب نصر بن سيار من الشام اسناده لايقاف أمر العباسيين قبل بلوغ نصل سيفهم لرقبة الخليفة في الشام مما استدعى نصر بن سيار لقول قصيدته المشهورة :

أرى خلل الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تُذكى

وإن الحرب مبدئها كلام

فإن لم يطفئها عقلاء قوم

يكون وقودها جثث وهام

فقلت متعجبا يا ليت شعري

اايقاض امية ام نيام

فإن يقظت فذاك بقاءُ مُلكٍ

وإن رقدت فاني لا أُلام

فإن يك أصبحوا وثووا نياماً

فقل قوموا فقد حان القيام

ففرّي عن رحالك ثم قولي

على الإسلام والعرب السلام

و حتى لا أطيل الحديث في هذا الموضوع فإننا نرى الوضع الحالي من اقتتال بين القبائل و بين أركان الدولة و الذي يذكيه من يدعون أنفسهم بوجهاء القبائل , و الصراع الطائفي المشحون في كل حين و آن بين الشيعة و السنة و الذي هو أقرب لصراع القيسية و اليمنية في الأندلس , و كذلك تصوير ايران بأنها الغول القادم المترقب من الشرق متناسين بأن الخطر كان و ما زال و سيظل جاثماً في جنوب البلاد , نعم أقصد السعودية التي لا أحسبها إلا لاعبة لدور دولة المرابطين التي ستصل لمرحلة تنجد فيها الكويت من أهلها و تضمها لسلطانها كما فعل يوسف بن تاشفين حين عزل المعتمد بن عباد بحجة خوفه على ديار الإسلام منه و رماه في سجن أغمات , إنه التاريخ يعيد نفسه يا جهلة , إيران لم تطمع بكم يوماً لأن لديها منذ الأزل ما يكفيها من المشاكل من داخلها و مع جاراتها و مع المستعمرين سواء كانوا البريطانيين ببزاتهم الحمراء أم رعاة البقر ببزاتهم المغبرة !!

و أما الشق الثاني من هذه التدوينة فهو يتناول سقوط روما , و سقوط روما لا أحسبني أقصد به السقوط العسكري فقط , بل إن هذا المصطلح يطلق على الدول التي تصل إلى نقطة القمة في أعلى الهرم من ثم تهوي كما لو أنها تهوي من على جرف حاد!

فالكويت وصلت لتلك المرحلة في السبعينات حين كان الكل ينعم بمستوى معيشي مريح , حتى الطبقة الفقيرة كان لها القدرة على العيش براحة و من دون الحاجة لعمل اضافي , و كانت العملة في أوج قوتها , و الوضع السياسي كان جيداً بل قد يصنف بأنه ممتاز ولا توجد تلك المشاكل. و السبعينات تبعد عنا الآن قرابة الأربعين سنة! و خلال هذه الأربعين سنة ماذا حدث؟

أزمة المناخ في الثمانينيات و التي ألقت بالكثيرين في دهاليز الديون الغير قابلة للتسديد , حينها أصبح ورق الحمامات أعلى قيمة من الشيكات ذات الأرقام الفلكية, حرب العراق و إيران و موقف الكويت الذي قد نستطيع القول بأنه كان الموقف الوحيد الذي يمكن اتخاذه كون الكويت كانت و ما زالت بين المطرقة و السندان و ما تبعه من ديون لم تسددها العراق حتى الآن و الذي أدى للغزو العراقي في سنة 1990 بناء على نصيحة السفيرة الأمريكية في بغداد و سأقف هنا حتى لا أعيد التاريخ و نشرع في فتح ملفات الماضي و نسرد السرقات التاريخية التي حدثت.

ما يحصل الآن و نحن في بدايات العقد الثاني من الألفية الثالثة يدق ناقوس الخطر في بلد لا قيمة له بدون الذهب الأسود, فالتناحر السياسي وصل إلى حد لا يطاق حتى بلغ الأمر بتصريح أحد نوائب الأمة بالقول بأنه إذا لم يستقل الوزراء الغير معنيين بالمشاكل فإن النواب سيقومون بإستجواب الكل! هذه العقلية لا تختلف كثيراً عن عقلية عودة بو تايه الذي دمر الدولة العثمانية بتخطيط لورنس العرب من أجل (الجنيهات الذهبية) و ليس لشيء آخر كما وصفه لورنس نفسه في كتابه "الأعمدة السبعة" , و هذه العقلية هي نفس العقلية التي تدير غالبية النقابات في الكويت , و غالبية العقلية التي تشكل القطاع النفطي و العسكري في الكويت! و بنسب مخيفة مقارنة بغيرهم! نعم قد أبدو قاسياً و قد أبدو عنصرياً و لكن الوضع لم يعد يحتمل أن نسكت عن الأخطاء و مرتكبيها بحجة اللحمة الوطنية التي تم شيّها من خلال المطالبات المستمرة بزيادات مخيفة و غير مبررة (و إن كانت مدروسة, فما كل مدروس يبرر!)

إن حجر الدومينو الذي أسقط كل الأحجار الباقية كان زيادة القطاع العسكري التي أدت لحدوث فروق هائلة في الدخل أدى لاستلام عريف في الجيش راتباً أعلى من موظف جامعي في القطاع المصرفي! و من ثم أتت حزمة الكوادر الغير مبررة! و من ثم كادر القطاع النفطي الذي أحدث نقلة نوعية (سيئة بكل المقاييس) حيث أصبح هؤلاء الـ 15.000 موظف أقوى من الدولة , و وجدوا الفرصة بوجود حكومة ضعيفة لا تملك من أمر نفسها شيئاً و وزير لا يعرف بماذا يتفوه حين يقول بأن ميزانية رواتب النفط ليست من ميزانية الدولة و بأن الدولة لن تخضع لأحد! و حدثت كارثة الجمارك و المأساة التعليمية حين أصبح المعلم يطالب بزيادات لا مبرر لها مقارنة مع مخرجات التعليم المخزية التي لن تقود هذا البلد للأمام بل ستوجه له ضربة خلفية تسفر عن هدف في مرمى الدولة! و لكن المصيبة هي في موظفي القطاع النفطي الذين يتمتعون بتأمين صحي لا مثيل له في الكويت و بسقف رواتب مرتفع لا يوجد بأي قطاع عام آخر في الكويت و كذلك لديهم ما يعرف بصندوق موظفي النفط و الذي يوفر لهم راتباً بخلاف الراتب التقاعدي! فمطالبات هؤلاء لا تعدوا كونها مطالبة جشعة من موظفي قطاع يحلم الكل بالحصول على وظيفة ادارية فيه مما حدى الجميع للحذو حذو موظفي النفط و لتذهب الدولة للجحيم, جيوبنا أولى من الدولة, و لم لا فهذه دولة تسير إلى الفناء برجليها!

المحور الأخير الذي سيكون مفصلياً في تاريخ هذه الدولة هو التضخم المتزايد و التدهور الحاصل في الدينار الكويتي, و هذا الأمر أذكر بأنني وجهت سؤالاً للنائب صالح الملا شخصياً في ديوانية المرحوم سامي المنيس عن الخطط التي وضعتها كتلة العمل الوطني لمواجهة التضخم الحاصل في البلد و الزيادات غير المبررة و مكافأة النجاح الفلكية التي صرفتها مؤسسة البترول من أموال هذا البلد, سأتطرق لموضوع التضخم, أبا محمد أجابني بقوله بأن التضخم قد يكون دلالة ايجابية و هناك أمور من خلال القيام بها يتم التحكم في التضخم , أبا محمد الآن بعد 5 أشهر من ذلك السؤال لا أرى الوضع إلا ازداد سوءاً و العملة تتدهور بازدياد و حسب تصريح الوزير الشمالي فإن ما نسبته 85% من مدخول الدولة يذهب للرواتب, إن الوضع يقترب مما يحدث في اليونان يا أعزائي.

تريدون دليلاً قاطعاً على التضخم و على الازمة القادمة و التي ستكون أزمة غذاء كالتي حدثت في روسيا حين انهار الروبل و كما كان الوضع في رومانيا تشاوتشيسكو. في السابق كان صندوق البيض الكبير بسعر 450 فلس , الآن لن تجده بأقل من 990 فلساً, الخراف كانت تتراوح أسعارها بين ال 35 و ال 50 و الآن أصبحت قيمة الخروف الواحد 200 دينار! "باسكت" الميد كان في السابق بـ دينار واحد , الآن الكيلوغرام بـ دينار! الربيان و بقية الأسماك أصبحت غير قابلة للأكل, و الارتفاع مستمر و سيستمر مع الزيادات القادمة.

هذا البلد لا مستقبل له, و لا حاضر فيه, و تتحكم فيه قوى ظلامية تدعمها قوى سلفية بأموال "البترودولار" , فالوضع في الكويت ليس بأحسن حالاً من لبنان , فكما يوجد هناك صراع طائفي هنا أيضاً صراع طائفي. إن أرادت الدولة المحافظة على ما تبقى من أركانها فإن من واجبها الآن أن تضرب بيد من حديد,فالجميع تحولوا لسارقين, لم يعد هناك من يفكر في الدولة ككيان وجد ليستمر,الجميع يبحث عن ما يضمن مستقبله خارج الدولة,سيأتي ذلك اليوم الذي ستجدون فيه المواطنين يصطفون في طوابير لا نهاية لها أمام الجمعيات التعاونية و المصارف و لنأمل أن لا نجدهم يصطفون أمام الملاجئ! هذا طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار سوء مخرجات ممثلي الشعب الذين لا هم لهم الا كيل الشتائم و السباب لبعضهم البعض او للسفير السوري.

السرقات المليونية التي تحدث في الاستثمارات و في قطاع الأسهم و الاستثمار أيضاً لها نصيبها من النقد و الملاحظة و لكنها ليست بوضوح الفساد الشعبي و محاولة جر البلد الى أخدود لا قرار له.

أطلت عليكم في الحديث و لكن في ختام القول لا يسعني إلا أن أقول,لو كان الدكتور أحمد الربعي بيننا لانتحر و كفى نفسه شر التفاؤل بأي مستقبل لهذا البلد.