Monday, October 13, 2014

المحلة السوداء !



استيقظ من النوم
ألقى نظرة على الروزنامة المعلقة على حائط حجرته
أطلق زفرة تحمل في طياتها أموراً لطالما ضاق بها صدره
اليوم يصادف عيد ميلاده الثامن و العشرين
لا انجاز يذكر
ثمانية و عشرون عاماً ضائعة لا أكاد أشعر بأن لها قيمة تذكر
يطالع الساعة .. انها الخامسة و النصف .. صباحاً .. و الصباحات الشتوية دائماً ما تكون ثقيلة على الأبدان .. فما عساك تفعل ان كانت الروح منهكة قبل الجسد
يذهب للحمام .. يحلق لحيته .. يفرش أسنانه .. حركات روتينية اعتادها .. لم تعد ذات معنى .. فهو لا يفرش أسنانه حماية لها من التسوس .. ولا يهذب هيئته استعداداً للذهاب لموعد غرامي .. أصبح كالآلة المبرمجة مسبقاً على جدول معين .. يستيقظ في الخامسة و النصف .. يحلق لحيته .. يحضر قهوته .. يقرأ جريدته .. يذهب لعمله من الثامنة حتى الخامسة عصراً و من ثم الى المنزل حيث يمارس رياضته المفضلة .. القراءة !
فيما هو يطالع الجريدة و يقلب بين صفحاتها .. مر على صفحة الطالع و الأبراج
لم يعرها يوماً اهتماماً .. فهو شخص بائس لا يلقي اهتماماً لهذه الأشياء ولو حتى من باب المرح
و لكن .. شيء ما دفعه لقراءة طالعه

برج الدلو: لا تذهب للعمل اليوم، قم بتجربة شيء جديد!

أوحقاً هناك من يقرأ هذه الترهات .. و ماهو الشيء الجديد الذي يستحق التجربة .. آه .. ربما يجب علي أن أذهب لممارسة رياضة فعلية بدل القراءة .. سنرى بعد العمل

بعد أن انتهى من ارتداء ثيابه للعمل .. و حمل حقيبته الصغيرة و مظلته .. ذهب مشياً الى محطة القطار حيث سيستقل القطار متوجهاً لعمله

و ظلت الكلمات التافهة تتردد في ذهنه "لا تذهب للعمل، قم بتجربة جديدة" 
يا لسخفي .. أوبعد أن أفنيت عمري أستهزأ بهذه الخرافات أجدها تستعمر ذهني .. حتماً سأنساها حين أصل لعملي.

عادة ما تستغرق المسافة حتى عمله قرابة الخمس و أربعين دقيقة، يستغلها في الحصول على بعض النوم اللذيذ في مثل هذا الصباح البارد الذي يكون الانسان أحوج مافيه الى كوب حليب ساخن و أحضان امرأة تغدق عليك حنانها و تصب عليك من جحيم عواطفها و تصيبك بالجنون لفرط مجونها
لطالما تخيل نفسه مع تلك المرأة .. لكنه لم يجدها
لم يكن محظوظاً في الحب ولا في أي علاقة أخرى
كان يتسائل دوماً .. كيف لهؤلاء الآخرين أن يتحصلوا على كل هذه المتع من النساء وهو غير قادر
يكاد ينفجر أحياناً من فرط حاجته لجسد امرأة عارٍ يحتضنه ليفرغ به آلامه و مراراته

و فيما هو يتخيل .. لفت انتباهه اعلان في الصحيفة التي يقرأها الشخص الجالس قبالته

"دع القلق و تمتع بالحياة"

ما كل هذه الاشارات!
اشارات تلو الاشارات!

ثمة أمر يحدث لا أعلم ما هو
وصل الى مقر عمله .. جلس على كرسيه و حين شرع بالبدأ بعمله .. أحس بشعور غريب

إنه لا يرغب بالعمل 
و لكن .. ماذا سأفعل في هذا الجو الماطر

تباً .. مزاجي لا مكان فيه للعمل
تصله رسالة تهنئة من زميله

"كل عام و انت بخير يا عذراء شركتنا"

ضحك من وصفه، نعم، كان قد قطع على نفسه عهداً أن لا يمارس الحب مع امرأة لا تكون زوجته
لا لشيء، هو ليس متديناً، و لكنه تألم كثيراً فما أراد لامرأة أن تتألم من آلامه، و كان الحب بالنسبة له أمراً مقدساً لا يمارس مع كائن من كان

و لكن هذه كانت أفكاره حين كان في الثانية و العشرين .. قبل ست سنوات

هذه المرة لم يتقبل المزحة كسائر المرات
قرر الرَد!

"شكراً على رسالتك و ستكون هذه آخر مرة تصفني بها بعذراء الشركة"

رد عليها صديقة بضحكة ملؤها السخرية

أثارت فيه حنقاً من الداخل، لم يظنه الكل ضعيفاً مع النساء لا يستميلهن ولا يجذبهن! 

فجأة! قرابة العاشرة .. قرر اغلاق حاسبه الآلي و الخروج من العمل، قرر أخيراً أنه ان يعمل في يوم عيد ميلاده .. و سيجرب شيئاً جديداً ! 
نعم .. قرر ممارسة الحب!

خرج من العمل .. الجو ماطر .. برودة الهواء تنهش جسده كضبع جائع
و لكن مشاعره متأججة، دمه يغلي، و لكن

أين يُمارَس الحُب؟

في الماضي كان يعلم أن ثمة شارع قريب من مكان عمله تكثر فيه الكرخانات و العاهرات تجدهن في كل ناحية

قرر الذهاب له .. مشياً .. المسافة ليست بتلك البعيدة
حين وصل الى ذلك الشارع .. كانت العقارب تشير للحادية عشر و خمس دقائق .. و لكن لا أثر لأي مظهر من مظاهر العهر في هذا المكان!
محلات ألبسة و أدوات منزلية و مطاعم .. انه كأي شارع عادي .. 
شعور خيبة الأمل الذي أصيب به لا يوصف .. شعور بالمرارة .. حين أراد التغلب على أمر في نفسه .. وجد أن الحي الذي قصده قد رحل بأكمله

و لكن لن أعود للعمل .. سأتنزه .. سأمشي .. سأتسوق .. سأتغدى في مطعم فاخر .. سأفعل كل ما يحلو لي اليوم .. أنا لم أفعل ذلك من قبل .. اليوم هو اليوم المناسب! 

و ظل يمشي بغير اتجاه .. بلا هدف .. بلا وجهة بلا غاية .. اشترى من ذلك المحل معطفاً لطالما أراده .. ارتاد ذلك المطعم الفاخر في الحي التجاري .. دخل لإحدى دور السينما .. فعل كل ما يحلو لنفسه فعله

و لكن .. ظل هناك شيء ناقص
تلك الصورة للمرأة التي تُحرقه بنيران محبتها
رسمت .. بعضاً من الأسى على شفاهه المبتسمة
و لكن قرر أن يكمل المسير و ألا ينهي ما بدأه 

و ظل يتسكع في الطرقات .. تحت المطر و الرياح تكاد أن تطير به 
وفيما هو سائر في احدى الأزقة عائداً لبيته .. لمح ضوءاً قادماً باتجاهه
يا الهي! سيارة مسرعة آتية باتجاهي .. الأمر لن يتعدى ثوان معدودة .. عليك أن تتخذ بها قرارك .. الى أي اتجاه سترمي نفسك للنجاة بها! 
رمى نفسه مسرعاً لناحية الطريق و مرت السيارة بجنبه مسرعة كالبرق
و رحلت .. لم يبق من تلك الحادثة الى أضواء السيارة الحمراء وهي تتلاشى بعيداً .. راحلة الى غير رجعة

تأكد من سلامته و من سلامة حاجياته و من ثم شرع يكمل سيره .. لكنه توقف 
لمح شيئاً .. يبدو كرسمة .. أم أنه جسد .. بل ربما هي أضواء
أضواء حمراء و برتقالية و وردية مشتعلة .. لا تستطيع ألا تنظر اليها .. كل شيء حولها يغرق في ظلام حالك و هي ترقص لوحدها في الظلام كعنقاء بعثت فيها الحياة

اقترب ..
دنى .. 
تقدم شيئاً فشيئاً من الأضواء .. 
بانت واضحة الآن
لوحة على جسد امرأة .. ماخور .. لكن .. في شكل بيت أنيق

في حيرة من نفسه .. من أين أتى هذا المكان؟
لمَ لَم أره؟
هل أعود؟ 
هل أدخل؟ 
أسئلة كثيرة .. حار فيها و لم يجد جواباً
ثم قرر أن يكمل ما بدأه

تقدم من الباب .. فوجد كاميرا في زاويته و جرساً كهربائياً
نظر للكاميرا .. و قرع الجرس 
لحظات و سمع أزيزاً عبر الباب و قام بدفعه دفعة بسيطة و فُتِحَ الباب

دخل فوجد نفسه في غابة من الجنس
صور جنسية
تماثيل لآلهة الجنس الاغريقية و للكاماسوترا الهندية
صور لنساء يدفق منظرهن الدم في عروق الرجل كما لو أنه بركان ثائر في جبال اسكندنافيا الباردة

- تفضل، انه يوم سعدك، سنقوم بتحقيق كل رغباتك و شهواتك

قطع هذا الصور حبل افكاره

امرأة تبدو عليها علامات الكبر .. و لكن وجهها يوحي بأنها كانت ذات جمال طاغ في صباها

تقدم منها

- أعلم .. يوم ميلادك .. اليوم أكملت الثامنة و العشرين .. كل عام و أنت بخير يا عزيزي .. لا تفزع .. أنا أعرفك جيداً .. قبل كل شيء عليك أن تدفع رسم الدخول وهو عشرون جنيهاً .. و من ثم تدخل لتلك الغرفة و تضع حاجياتك كلها و كل أكياسك في حجرة مخصصة لك و ترتدي هذا الروب .. و سأوافيك فيما بعد في الطرف الآخر من الحجرة .. ستكون سعيداً أضمن لك ذلك

استمع لها وهو فارغ فاه .. لم ينطق بحرف .. وجد نفسه يناولها العشرين جنيهاً بصمت و وداعة بلا أدنى مناقشة

دخل للحجرة .. تعرى من ثيابه .. بدأ يخالجه احساس غريب .. لم يشعر به من قبل .. رغبة مع امتناع .. كالجائع الذي يعرض عن الطعام وهو أمامه
و لكنه رمى كل هذه الأفكار جانباً و ارتدى الروب المخصص له و خرج من الباب الآخر

وجدها أمامه .. بثيابها السوداء كالساحرة التي قرأ عنها في قصة بياض الثلج و الأقزام السبعة

مسكت يده و قالت له 

- إتبعني

وجد نفسه يتبعها بصمت .. فتحت أمامه باباً جراراً كبيراً يفضي الى صالة مترامية الأنحاء 

و في تلك الصالة .. كان هناك كل أنواع النساء 
البيضاء و السمراء .. الشقراء و الحمراء .. الطويلة الرشيقة القد و القصيرة ذات الجسد الشهواني 
تلك ذات أثداء عارمة .. و أخرى بردفين يثقلان أفخاذها .. و كلهن يردن منه التفاتة
أحس كأنه ملك من ملوك الشرق الذين قرأ عنهم في كتاب الليالي العربية وهو محاط بهذا الكم من النسوة
كلهن جميلات .. هل استطيع أن آخذهن كلهن .. لا لا .. علي أن آخذ واحدة .. بل اثنتان .. لا لا .. واحدة .. واحدة

أمعن النظر جيداً .. ما هذه الحيرة .. كلهن ذوات جمال يكاد المرأ يصرخ مكبراً و مسبحاً بكل ما أتت به الأديان المختلفة تقديراً لصانع هذا الجمال و لكنه أدرك مدى سخف فكرته حين تذكر مكانه

و من ثم .. لمح فتاة ذات شعر أسود متموج كشعر غجرية 
و بشرتها بيضاء اللون كأنها مصنوعة من القطن
و أنف مستقيم كالسيف الصقيل
و حاجبين قد رسمهما فنان ايطالي بارع
و ثغر واسع ممتلئ لونه كلون الدم 
و ذات قوام ممتلئ بانحناءات اصابته بالجنون

تقدم منها .. ابتسمت له .. مد يده لها فوضعت راحتها في يده و شرعت تقوده
التفت للخلف فوجد أن كل النساء الباقيات قد اختفين
لم يعد لهن أثر ! 
لم يهتم .. فمعه اجملهن .. 

وصلا الى غرفة في زاوية من زوايا البيت .. الاضاءة الحمراء تملأ المكان .. الروائح العطرية تفوح في الغرفة باعثة في الجسد انتعاشاً لا مثيل له

جلس على السرير و جلست قبالته
وضعت يدها على خده 
مررتها على صدره
داعبت ما خلف أذنيه
قبلت وجنتاه
بدأ يشعر بشعور غريب .. لم يجربه من قبل .. شعور كشعور الفراشات الذي لطالما قرأ عنه 

- لا اعلم .. هل
- استرخ .. لا عليك .. اعرف كل شيء عنك .. اعلم انها اول مرة تكون فيها مع امرأة لوحدكما .. لا تقلق 

قالت هذه الكلمات و احتضنته و لامست شفتاه رقبتها
أحس بحرارة الدم وهو يتفجر في عروقه
احتضنها بقوة
قبلها بعنف
أحس بحرارة تكاد تذيب الجليد المتراكم لسنين طول
طوقت عنقه بيديها
وضعت ثغرها على ثغره و جعلته يتذوق معنى القبلة .. القبلة التي لطالما انتظرها من حبيبة 
و لكن لم يحصل عليها
كان لالتصاق شفتيهما احساس غريب .. يفوق كل ما قرأه .. احساس رائع .. شغله عن الانتباه لأن جسديهما قد أصبحا جسداً واحداً .. و أن صدره المليء بالشعر يلامس ثديين .. شعور لا يستطيع وصفه
لذة .. حرارة .. جنون .. زحمة افكار
تقابلت عيناهما بعد ما فرغا من القبلة
رأى في عينيها لهباً .. و في عضها لشفتيها شهوة عارمة

- انك كالحيوان الجائع .. انك مجنون

و من ثم قامت بنزع روبه عنه و بقي أمامها بلا ثياب .. جسداً عارياً .. خالياً من كل شيء
وضعت يدها بين فخذيه و قبلته 

- هيا .. يكفيك كل هذا الانتظار .. اليوم .. الآن .. هيا .. افعل ما تشاء

استلقت امامه على الفراش .. نظر لجسدها.. اقترب منه
وضع رأسه على صدرها
كان في أشد احتياجه للحنان
لم يكن يريد الجنس بقدر ما كان يريد الحنان و الحب

ثم اعتدل في وضعيته و اصبح وجهه قبالة وجهها .. قبلها .. ثم قام و وقف على السرير كما لو كان تمثال زيوس الأسطوري
أحس بعنفوان الرجولة .. بفحولة لا مثيل لها 
أحس بأنه ملك هذا العصر
الرجل الوحيد في العالم
و من ثم انقض على جسدها الملقى امامه كنسر ينقض من بين السحاب على فريسته
و فيما يحاول كالأبطال أن يدخل سيفه في جسد عدوه اللدود
شعر بحرقة في فخذه
رفع رأسه .. نظر اليها .. رآها تبتسم ساخرة

- أيها المسكين .. أفِق

أفِق !
أفِق !
هل كان هذا حلماً 
نعم .. المنزل برز فجأة
النسوة اختفين من الصالة
ما هذا
ان الغرفة تدور 
أين الفتاة
يا رباه .. ان الحرقة تزداد 
ماذا يحدث 

أين أنا!!

و فيما هو يصرخ صرخته الأخيرة فتح عينه ليجد أنه ما زال في شقته .. و بأن الصحيفة أمامه ما زالت مفتوحة على صفحة الطالع 

و بأنه قد كان غارقاً في النوم و في أحلامه اللذيذة التي تعبر عما يجول في نفسه
و بأن حرقة فخذيه ليست الا انسكاب القهوة الساخنة في حجره. 



- انتهى -